الاثنين، 14 مارس 2011

جزيرة تنيس وتاريخها


تنيس مدينة مصرية قديمة من مدن مصر القديمة تقع في الناحية الشرقية متاخمة لمدينة بيلوز ( الفرما ) ..هي الآن جزيرة صغيرة تقع في وسط بحيرة المنزلة التي كانت تدعى من قبل بحيرة تنيس " بحيرة المنزلة " ..أول من أطلق عليها اسم بحيرة المنزلة هو خليل الظاهري في كتابه " على ضفاف بحيرات مصر ـ الجزء الأول" ..أما الرحالة العربي المسعودي في كتب في كتابه الشهير "مروج الذهب" يقول :" قبيل القرن الثالث الميلادي لم تكن توجد في هذه المنطقة أية بحيرات فقد كانت أرضاً زراعية لم يكن في مصر بأسرها مايضارعها من استواء وتربة طيبة ، وبها من الجنات والنخيل والكروم والشجر والزرع مالا يضاهيها ، حيث كان مائها يتحدر فيها دونما انقطاع في الصيف أو في الشتاء ، يصب هذا الماء في البحر من عند موضع يسمي " أشتوم الجميل " ..ففي القرن السادس الميلادي ضرب زلزال كبير المنطقة التي تقع فيها مدينة تنيس وطغي ماء البحر المتوسط علي الأراضي الواطئة المحيطة بها بينما بقيت تنيس و بعض الجزر العالية.أما كتاب " فتح العرب لمصر " لمؤلفه د. الفريد . ج . بتلر وترجمه لنا محمد فريد أبو حديد ، فقد جاء فيه بأن اسم تنيس كما يزعم المؤرخ "كاترمير"مشتق من اللفظ اليوناني " نيسوس " ومعناها الجزيرة وقد أضيف في أوله علامة التعريف " تي " القبطية للمؤنث فإذا صح ذلك كان لابد من أن تلك البلاد غمرت بالمياه منذ زمن بعيد قبيل القرن السادس ..ويرجح المؤلف هذه المقولة بقوله "بأن (كاسيان ) وكان في مصر سنة ( 390 - 397م ) يقول على وجه اليقين بأن Thinnesus تنيس جزيرة يحيط بها من جميع جهاتها بحر أو بحيرات ملحة حتى أن أهلها كانوا يعتمدون كل الاعتماد على البحر في الانتقال من مكان إلى مكان ، وكانوا يأتون بالطين في السفن إذا أرادوا أن يوسعوا أرضاً ليبنوا عليها بناء".ويقول " كاترمير" أن مساحة المدينة كانت ميلاً مربعاً فقط ، وهذا في الواقع من الأخطاء ، فقد حدث وأن دُمرت تنيس بأسرها في سنة 624من الهجرة ، ولم يتبق منها سوي بعض الأطلال ، وجزيرة تنيس لم تزل حتي الآن قائمة ولا تزال توجد بها بعض الآثار القديمة ..كانت تنيس يطلق عليها اسم " بغداد الصغري " وهي تقع في الجنوب الغربي من مدينة بورسعيد علي بُعد مسافة تسعة كيلومترات ..ويذكر المقريزي " الخطط " بأن جزيرة تنيس يرجع اسمها إلي اسم تنيس بن حام بن نوح وقد بناها أحد ملوك الأقباط وكان بها مائة باب ولكبرها وعظمتها وهي من أكثر المدن المنتجة للحرير .وفي كتاب " مناظرات يوحنا كاسيان مع آباء البرية " جاء في وصفه للبرية التي كانت بها تنيس بأنها كانت قبلاً أغنى منطقة وكما يقال أن مائدة الملك كانت تعد من منتجاتها ، وأن هذه الأرض طغى عليها البحر وصارت خراباً فتحولت إلى مستنقعات مالحة حتى ليكاد من يراها يظن أنها هي التي قيل عنها في المزامير " سيجعل الأنهار قفاراً و مجاري المياه متعطشة والأرض المثمرة سغبة " ( مز 107 : 23 , 24).و يستطرد الكاتب " في هذه البقاع دمرت مدن كثيرة وهجرها أهلها وتحولت إلى جزائر وصارت مسكناً لراغبي الوحدة " العزلةمن النساك القديسين" ومضى يصف من بينهم ثلاثة رجال تقـــــدموا في السن حيث قال عن أحدهم " انه جاوز المائة من عمره وانحني ظهره بعامل الزمن مع دأبه في صلاة دائمة ، كان يبدو وكأنه قد عاد لطفولته مرة أخرى وهو يزحف بيديه اللتين تدليتا لأسفل وهما تكادان أن تلامسان الأرض. "سأله يوحنا كاسيان بأن يقول له كلمة ويعرفه بالتعاليم ، فتنهد الناسك بعمق وكان مما قاله :" أي تعاليم يمكنني أن أعلمها لكم ، وأنا قد وهن العظم مني وأنا في سن وضعف ؟".وجاء عن تنيس في كتاب فتح العرب لمصر حيث يقول " وكانت الأرض التي تغطيها مياه بحيرة المنزلة إلى ما قبل الفتح العربي بقرن واحد لا يضارعها في بلاد مصر كلها أرض أخرى في جودتها وخصبها وغناها إلا إذا قلت بلاد الفيوم فقد تكون مساوية لها ، كانت أرضها ترويها ترع لا تنضب مياهها تأتى من النيل ، فكانت تنبت نباتا يانعاً من القمح والنخيل والأعناب وسائر الشجر .غير أن البحر طغى عليها فأقتحم ما كان يحجزه من كثبان رملية، كانت المياه يزيد طغيانها عاماً بعد عام حتى عمت السهل الوطئ كله ،ولم يبق فوق بعضها إلا عدداً من الجزر بعد أن أكلت المياه ما كان هناك من حقول و قرى فلم ينجٍ منها إلا ما كان عالياً لا تناله المياه .وأعظم ما نجا من قرى تلك الأرض مدينة تنيس الشهيرة وكانت مدينة لها شئ من الإتساع والكبر وكانت ذات بناء جميل تجود بها صناعة المنسوجات الرقيقة ، وكانت في البحيرة التي تخلفت مدائن أخري اشتهرت ببراعة صناعتها في النسيج مثل طونة ـ دميرة ـ دبيق ، ولكن لم تبلغ أي واحدة منها مبلغ ماوصلته تنيس ، إذ كانت تضارع دمياط وشطا في دقة منسوجاتها وجودة أنواعها فما كان في البلاد كلها غير تنيس ودمياط وشطا مايستطيع أن يخرج ثوباً من الكتان يبلغ ثمنه مائة دينار .ويذكرالمسعودى في تاريخه أن ثوباً صنع هناك للخليفة من عرض واحد بلغ ثمنه ألف دينار وكان مصنوعاً من خيوط الذهب مخلوطة باليسير من دقيق الكتان" خيوطه ". وقد ورد في الأخبار كذلك أن تجارة كانت بين تنيس وبين العراق وحده بلغت مابين عشرين ألف دينارإلي ثلاثين ألف دينار في السنة الواحدة ، كانت ذلك قبل أن تُفرض عليها الضرائب الفادحة .كانت تنيس جزيرة فسيحة وكانت تصل إليها من الجنوب ترعة اسمها بحر الروم ، ولعلها كانت بقية فرع النيل التنيسي الذي كان يصل إلي الصالحية أو علي الأقل بينها وبين " الطينة " وهي ثغر الفرما علي ساحل البحر.وقيل أن تنيس كان لا يزال بها إلي القرن العاشر بعض الآثار القديمة ، وكان بها حوالي ماوصل عدده إلي مائة وستون مسجداً لكل مسجد منها مئذنة عالية مزينة ..كما كان بها اثنتان وسبعون كنيسة ، غير العديد من الحمامات التي بلغ عددها نحو ستة وثلاثون حماماً ..وكانت تنيس مدينة محصنة بالأسوار وبها عدد تسعة عشر من الأبواب المصفحة بالحديد الثقيل ، وقيل أن الموتي في الجزر الأخري كانت تحمل لتدفن في تنيس ، ويبدو أنها كان يتم تحنيطها هناك .زارها بعد ذلك بقرن الرحالة الفارسي ناصر خسرو في عام 1047 للميلاد فعجب مما رآه من ثرائها ورواج أسواقها فهو يذكر :" كان بها عشرة آلاف متجر وخمسين ألفا من الناس وكانت في جزيرتها مراسٍ تكفي لألف سفينة ولم يكن بها شئ من الزرع بل كانت تعتمد في كل أقواتها على تجارتها .وكان النيل إذا علا وفاض يقوم بطرد كل ما حول جزيرة تنيس من مياه البحر المالح ويملأ بالماء العذب ما كان فيها من الصهاريج ومخازن المياه الدفينة في الأرض وكانت هذه المياه كافية لشرب الناس طول الحول.وقد بلغت منسوجات القطن البديعة ذات الألوان شأناً عظيماً لم تبلغه في وقت من الأوقات، فكان للسلطان مناسج خاصة تنسج فيها الأثواب له وحده .كان الثوب المخصص لعمامته تبلغ قيمته أربعة آلاف دينار ، ولكن الأثواب التي كانت تصنع للسلطان لم تكن تعرض في الأسواق للعامة .وقد حدث أن إمبراطور الروم دعا بأن تخضع تنيس لإمرته مقابل تنازله عن مائة مدينة من مدائن دولته عوضاً عنها ، وعلي الرغم من ذلك لم يستجب لدعوته .كان يصنع في هذه المدينة من الأثواب الملكية نوعاً اسمه " بو قلمون " وكان من الحرير المتغير اللون حيث كانت لمعته زاهية حتي قيل أنه كانت تتغير ألوانه في كل ساعة من ساعات النهار عما هو معهود .كما كانت صناعة السلاح المتخذ من الصلب من أهم الصناعات ولكنها لم تكن لتبلغ في تنيس مبلغ منسوجاتها وكانت على ذلك مدينة من أعجب المدائن وأعظمها شأناً.ويروي في القصص أن حاكم تنيس كان وقت الفتح الإسلامي لمصر كان رجلاً من العرب النصاري واسمه " أبو طور" وأنه خرج لقتال المسلمين علي رأس عشرين ألف من القبط والروم والعرب ، فلقيهم في سيرهم إلي تنيس بعد أن فتحوا دمياط فناجزهم في مواطن كثيرة قبل أن يظفر العرب ويهزموا جيشه ويأخذونه أسيراً ، ومنذ تم لهم ذلك فتحوا المدينة وغنموا أموالها وقسموها ثم ساروا إلي الفرما .كانت جزيرة تنيس مكشوفة للغزو من جهة البحر عليها أنها كانت محصنة فيها رباط قوي ، وأمر صلاح الدين الأيوبي بإخلائها عام 1192م ثم جاء من بعده الملك الكامل عام 1227م فهدم حصونها وأسوارها حتي تركها أطلالاً .ويذكر المقريزي في الخطط عن مدينة شطا بأنها تقع بين تنيس ودمياط وأن اسمها يرجع لرجل اسمه " شطا بن الهموك " وهذا الاشتقاق ليس له أي أثر من الصحة .وتذكر القصة بأن العرب حين حاصروا دمياط وفتحوها خرج إليهم حاكمها شطا ومعه ألفان من الناس فأظهر إسلامه ، وكان قبلها عاكفاً علي درسه والنظر فيه زمناً طويلاً ، ثم أن الرجل لما رأي أن العرب أبطأ عليهم فتح تنيس جمع جيشاً من البرلس ودميرة وأشمون وطناح ، وجهزه ولحق بإمداد المسلمين الذين بعث بهم عمرو بن العاص ثم سار حتي إلتقي بالعدو وأظهر من الشجاعة وحسن البلاء مايظهره الأبطال وقتل بيده اثني عشر رجلاً من فرسان أهل تنيس وشجعانهم وظل يقاتل حتي قًتل في ذلك اليوم ودفن في ظاهر المدينة ..أما عن خرابها ومالحق به من دمار فيقول اللواء عبد المنصف محمود بعد ما ذكر الكثير من تاريخ تنيس :" ولكن العرب لم يجدوا ما يحبب لهم المقام في هذه المدينة وأشباهها من الجزائر التي كانت وسط البحيرة فبقيت إلى أن قضي عليها وزالت أخبارها".ويعود المسعودي ليذكر أن " بحيرتها الآن يصطاد منها السمك وهي قليلة العمق يتم الإنتقال بين جزرها بإستخدام الفلايك والقوارب واللنشات ، وتعرف اليوم ب" المراحات " ويسكنها طائفة من الصيادين الذين يتخذون من الصيد حرفة لهم ، ومؤخراً انشئت بها المدارس لتعليم أبناء هذه المراحات .فليت الهيئة العامة لتنشيط السياحة تضع جزيرة تنيس ومابها من آثار ضمن مواقعها علي مستوي السياحة الداخلية والخارجية ، ولعلي أذكر أننا في سنوات الدراسة كنا نسعد بالرحلات التي تقصد هذه الجزيرة حيث تزخر تلالها وروابيها بتاريخ كبير يجب أن يعرفه أبناءنامن طلاب المدارس وأن نضع في الحسبان مدي الفائدة التي تعود عليهم من خلال هذه الزيارات وأن تكون موضع التنفيذ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق